by سيد يوسف المحافظةJune 05, 2024
Read this article in English here.
الناشطون في المنفى: التحديات، الفرص، التجارب المعاشة
ندوة عبر الإنترنت مقدمة من المركز الدولي للنزاع غير العنيف ومؤسسة HuMENA لحقوق الإنسان والمشاركة المدنية، بدعم من ActionAid الدنمارك.
الجمعة 21 يونيو 2024 من الساعة 17:30 إلى 19:00 بتوقيت وسط أوروبا (اعرف منطقتك الزمنية).
"اليوم بدأت رحلة الشقاء و الصراع من أجل البقاء" هذا ما قاله لي الحقوقي البحريني هاني الريس في أول يوم وطأت قدمي منفاي من أجل التقديم على اللجوء السياسي، وهي عبارة صادقة، ولكنها قاسية، لذا عقدت العزم على أن أحول هذه الرحلة الى رحلة تحد وإنجاز. واليوم أرى ذلك، رغم مرارة وقسوة الغربة والابتعاد، إلا إن الخبرة والتطور الأكاديمي والشخصي الذي وصلت له اليوم والذي لم أكن لأحصل عليه في بلدي ولو قضيت سنيناً أخرى، خفف من هذه المرارة .
العمل الحقوقي من الداخل
عملت في مجال حقوق الإنسان في بلدي البحرين منذ عام 2006 و حتى أواخر العام 2013 في قسم الرصد والتوثيق بمركز البحرين لحقوق الإنسان ,حيث كان عملي يتطلب التواصل الدائم مع الضحايا والناجين لتوثيق الانتهاكات وإرسالها إلى المنظمات الحقوقية الدولية والتعامل مع آليات الأمم المتحدة، ومن أجل إتمام هذا العمل فإن الأمر يتطلب التواجد في أغلب التظاهرات التي كان الكثير منها سلمي و تطالب بالديمقراطية وحماية حقوق الإنسان و المطالب المعيشية ورصد تعامل الأجهزة الأمنية مع التظاهرات والتقاط الصور و الفيديوهات . كما أن غياب الصحافة المستقلة والحيادية في البحرين جعلني ألعب دور المواطن الصحفي من أجل نشر صور الانتهاكات الحقوقية عبر وسائل التواصل الاجتماعي باللغتين العربية والإنجليزية التي حصدت تفاعل كبير من قبل وسائل إعلام عربية وغربية, خاصة خلال ثورات الربيع العربي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
الخروج للمنفى والتحديات المصاحبة لها
في تجربة المهجر، مميزات تتيح لك أن تفكر خارج الصندوق وتمنحك الحرية والهدوء والوقت الكافي لكي تستوعب التحديات في بلدك بحجمها الحقيقي مع كل تعقيداتها محليًا أو إقليميا . هذه التجربة لا يمكن الحصول عليها وأنت داخل الوطن خصوصًا في مجتمعاتنا التي يكون فيها جل نشطاء الشأن العام من سياسيين وحقوقيين إما معتقلين في السجون أو ملاحقين أو مفصولين من أعمالهم و بعضهم منهمكين في البحث عن لقمة عيشهم والبعض الآخر يحاول تجنب دخول السجن قدر الإمكان، والحذر من كل كلمة أو موقف يقومون به، خشية أن ينتهي بهم الأمر إلى السجن أو العقاب وهي ضريبة ليس كل ناشط في الشأن العالم مستعد لدفعها وهو أمر مفهوم ومشروع.
انتهت بي السبل إلى قرار المنفى الاختياري من بلدي بعد أن سجنت عدة مرات بسبب نشاطي الحقوقي وتعرضت للمضايقات المتكررة أثناء السفر عبر المطار بالإضافة إلى التعرض لحملات تشويه سمعة في الصحافة والتلفزيون الرسميين لينتقل عملي الحقوقي معي للخارج. ومع ذلك، حتى بعد مغادرتي البحرين، ما زلت أعاني من المضايقات المتكرر عبر الإنترنت. علاوة على ذلك، فإن هذا الانتقال يعني فقدان الاتصال المباشر بالعمل الميداني، وبالضحايا، وبقدرتي على توثيق الأحداث بشكل مباشر. ولكني على الجانب الآخر بدأت استكشاف هذه التجربة الغنية بآلياتها المتعددة التي قد تفوق الآليات التي كانت متوفرة على المستوى الوطني.
الصعوبات في المنفى كثيرة، لا تعد ولا تحصى، منها على سبيل المثال وليس الحصر هي تعلم اللغة الالمانية ونظام المانيا السياسي والقانوني خصوصا في مجتمع ومؤسسات لا تفضل التحدث باللغة الانجليزية. كما أن صعوبة الحصول على وظيفة متناسقة مع الشهادات و الخبرات التي أمتلكها هي أحد التحديات فهناك وظائف محددة للمهاجرين الذين يعيشون ولم يولدوا في المانيا ولغتهم الالمانية ليست الأم وهي الوظائف التي تحتاجها الدولة ولكن من الصعوبة أن تكون في مراكز قرار أو أن تعمل في وزارات ومؤسسات مصنفة أنها محصورة سلفا على المواطنين الألمان على الرغم أنني مكتسب للجنسية الألمانية . معادلة الشهادات هي تحد آخر يواجه المهاجرين فنظام المعادلة يقبل فقط الشهادات في القارة الأوربية وكل ما هو خارجها يصعب معادلته. تربية الأطفال في المجتمع الالماني هي كذلك أحد التحديات فنحن نريد خلق توازن بين الاندماج في المجتمع الالماني وكذلك الحفاظ على هويتهم العربية وقيمهم وثقافتهم ولغتهم العربية. والشوق إلى الوطن والأهل هو أكبر تحدي يواجه كل مهاجر خصوصا في المناسبات الدينية، الاجتماعية والوطنية والعائلية، أتمنى مشاركة أهلي في الأفراح والأحزان ولا يغيب عن مخيلتي أبدا كيف أنني فقدت والدي وأنا في منفاي ولا أستطيع العودة وإلقاء النظرة الأخيرة عليه كوني محكوم غيابيا بسبب نشاطي الحقوقي.
تحويل التحديات إلى فرص
رغم كل الصعوبات التي ذكرتها فهناك في المقابل فرص كثيرة حيث سنحت لي الفرصة التواصل مع الصحافة الدولية بشكل مباشر وتنظيم الفعاليات الحقوقية مع الجهات الدولية بسهولة أكثر. كما أصبحت قادر على تنظيم الاعتصامات التضامنية دون الاضطرار للهرب من الشرطة ودون أن تكون حقيبتي محملة بالبصل والمحارم التي كانت تخفف مضاعفات الغاز المسيل للدموع. كما أصبح التواصل مع الجهات الحقوقية عبر الهاتف الخليوي دون تجسس . وكذلك أصبحت قادر على نشر كل الفعاليات في مواقع التواصل الاجتماعي دون أن يتم حبسي بتهمة نشر أخبار كاذبة أو تشويه سمعة البحرين. و كذلك أصبحت قادر على السفر إلى الدول الأوربية ببطاقتي الشخصية من أجل المشاركة في فعاليات حقوقية دون التعرض للتحقيق والمضايقات في المطارات أو حتى المنع من دخول دول معينة أو المنع من السفر . و نشاطي الحقوقي لم يمنعني من الحصول على عمل في شركة ألمانية ولم أصبح في قائمة المنع من العمل كما حصل لي في البحرين بعد أن فصلت من عملي لدوافع سياسية.
هذه المساحة المثالية التي أنعم بها منذ عام 2013 هي مساحة يجب أن تتوفر ويحلم بها أي ناشط حقوقي وهي أن يعمل بحرية وكرامة ويعود لمنزله ليلاً دون أن يترقب مداهمة من الشرطة لاعتقاله أو تفتيش منزله دون إذن قضائي. هذه التجربة المميزة لم تقف عند حد العمل الحقوقي و إنما امتدت إلى الانخراط في الشأن العام الألماني والعضوية في منظمات و مؤسسات محلية إضافة للتطوع في مشاريع حقوقية تساند اللاجئين وتدمج المهاجرين وكتابة سياسيات عامة من أجل معالجة ملف العنصرية والتمييز والتطرف اليميني وهو الأمر الذي ساهم في توسع شبكتي الدولية لتصل إلى شبكة الناطقين باللغة الألمانية.
كما سمح لي الاغتراب بدراسة دبلوم في حقوق الإنسان والفلسفة في جامعة أمريكية في برلين وحصلت على منحة دراسية لدراسة الماجستير في حقوق الإنسان في فيينا (النمسا) لأتمكن بعدها من العمل كمتدرب في وزارة العدل الألمانية في قسم حقوق الإنسان وتمثيل ألمانيا ضمن وفد رسمي في مجلس حقوق الإنسان في جلسة مناقشة ملف ألمانيا في اتفاقية مناهضة التمييز العنصري في جنيف. هذه بعض اللمحات من قصة كفاح ممزوجة بالنجاح والإخفاق ومليئة بالتحديات تخللتها صعوبات و فرص كبيرة أحببت أن أشاركها مع قراء موقعكم المحترم لكي أوصل رسالة إلى كل المهاجرين كيف يمكنهم أن يكونوا خير سفراء لبلدانهم ويستثمروا كل المساحات والفرص لتطوير أنفسهم وكذلك الدفاع عن حقوق الإنسان في بلدانهم الأم , و بلدانهم الجديدة.
سيد يوسف المحافظة هو مدافع بارز عن حقوق الإنسان ومدرب وخبير في مجال حقوق الإنسان يتمتع بخبرة 15 عاما في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان في البحرين. في ربيع عام 2014، ذهب سيد يوسف المحافظة إلى المنفى في ألمانيا، بعد حبسه عدة مرات و مضايقات قضائية مستمرة وتهديدات لحياته.
Read More